عبر دراسة بحثية جديدة، وثقت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست”، الخطوات الأولى التي يبدأ فيها الحمض النووي في التفكك؛ مما يتيح حدوث سلسلة العمليات اللاحقة في عملية تضاعف الحمض النووي؛ مما يسلط الضوء على الآليات الأساسية التي تمكّن الخلايا من نسخ مادتها الوراثية بدقة كعملية جوهرية للنمو والتكاثر، وفي خطوة أساسية تمكّنه من أداء دوره بوصفه جزيئًا حاملًا للشيفرة الوراثية لكل أشكال الحياة.
ويُعتبر هذا الإنجاز نقلة نوعية، ليس فقط في مجال أبحاث الهيليكاز، بل أيضًا في دراسة ديناميكيات الإنزيمات بدقة ذرية، فعند ارتباط الهيليكاز بالحمض النووي يبدأ في “إذابة” الروابط الكيميائية التي تُبقي الحلزون المزدوج مترابطًا، ثم يعمل على فصل الشريطين ليسمح لبقية الإنزيمات باستكمال عملية النسخ، ولا يمكن بدون هذه الخطوة الأولية للحمض النووي أن يُنسخ، ما يجعل من إنزيمات الهيليكاز بمثابة “آلات” نانوية بحكم صغر حجمها.
وكشفت الدراسة أن استهلاك ” ATP” يُقلل القيود الفيزيائية؛ مما يسمح للهيليكاز بالتقدم على شريط الحمض النووي وفك المزيد من الحلزون المزدوج، وبهذا يعمل استهلاك جزيء الطاقة ATP كمفتاح يزيد من “العشوائية” أو “الاضطراب” في النظام، مفسحًا المجال أمام الهيليكاز للتحرك بحرية، الذي لا يستخدم جزيء الطاقة ATP لفصل شريطي الحمض النووي دفعة واحدة؛ بل من خلال سلسلة من التغيرات البنيوية التي تُزعزع استقرار الروابط تدريجيًا، وتؤدي إلى فصلهما.
وتوصلت الدراسة إلى أن اثنين من الإنزيمات الحلزونية يعملان في وقت واحد على إذابة الحمض النووي في موقعين مختلفين لبدء عملية تفككه، وبحكم طبيعة التركيب الكيميائي للحمض النووي، فإن الآلات النانوية لا تستطيع التحرك إلا في اتجاه واحد على شريط واحد من الحمض النووي، ومن خلال ارتباطها بموقعين في آن واحد؛ تتمكّن إنزيمات الهيليكاز من تنسيق عملية التفكك في اتجاهين وبكفاءة طاقية فريدة من نوعها.
وأثبتت “كاوست” في دراستها البحثية، أن البحث في نسخ الحمض النووي ليست مجرد محاولة للإجابة عن أسئلة علمية جوهرية حول الحياة؛ بل تجعل من إنزيمات الهيليكاز نماذج لتصميم تقنيات نانوية مستقبلية، حيث أنه من منظور التصميم، تمثل الإنزيمات الحلزونية “الهيليكازية” أنظمة ميكانيكية ذات كفاءة طاقية عالية، ويمكن للآلات النانوية المصممة باستخدام مفاتيح تعتمد على العشوائية أو الاضطراب، أن تستفيد من آليات مماثلة لتأدية مهام معقدة تعتمد على القوة.