في خطوة بارزة تؤكد التزام المملكة العربية السعودية بالتحول الرقمي، أعلنت «نوكيا» و«أيسس (ACES)» شراكةً استراتيجيةً طويلة الأمد لتعزيز تغطية الشبكة في مكة المكرمة؛ بهدف توفير اتصال سلس لملايين الحجاج والمقيمين والشركات، مع تحسين كفاءة الشبكة واستدامتها. تعكس هذه الشراكة الأهمية المتزايدة للبنية التحتية المتقدمة للاتصالات في دعم الأجندة الرقمية الطموحة للمملكة تماشياً مع «رؤية 2030».
مركز للاتصال والابتكار
تعدّ منطقة مكة المكرمة وجهةً لملايين الحجاج سنوياً، مما يجعلها واحدةً من أكثر المناطق ازدحاماً وحركة مرور في العالم. كما يعدّ توفير اتصال موثوق ليس أمراً بسيطاً. تسعى كل من «نوكيا» و«أيسس» إلى تقديم حل داخلي نشط «مفتوح الواجهة الأمامية» لأول مرة، مصمم لتعزيز تغطية الشبكة الداخلية والخارجية في هذه المنطقة شديدة الازدحام.
ووفقاً لـ “الشرق الأوسط” يسمح هذا الحل المبتكر لثلاثة من مزودي خدمات الاتصال في المملكة (زين، وموبايلي، وإس تي سي) بالعمل على بنية تحتية شبكية مشتركة، مما يحسِّن التغطية بشكل كبير مع تقليل التكاليف. وقد تم تصميم الحل للمناطق ذات الكثافة العالية، حيث يقلل من استهلاك المساحة والطاقة، مما يجعله مثالياً لمتطلبات مكة الفريدة.
يقول هيثم بابا، رئيس شبكات الهواتف الجوالة السعودية في «نوكيا» إن التعاون مع «أيسس» يوفر حلاً عالي السعة ورائداً في الصناعة؛ ما يعزز كفاءة الشبكة مع تقليل التكاليف. ويضيف: «سيضمن هذا الحل الداخلي القابل للمشاركة اتصالاً فائقاً للمستخدمين النهائيين في مكة وما بعدها».
لا يقتصر هذا على الاتصال فحسب، بل يتعلق أيضاً بالاستدامة والقابلية للتوسُّع. من خلال معالجة فجوات التغطية مع استخدام طاقة أقل، يضمن الحل تجربة شبكة عالية السرعة وموثوقة في المواقع الداخلية والخارجية الحرجة. كما أنه يضع الأساس لتوسعات «شبكات الجيل الخامس (5G)» المستقبلية في جميع أنحاء المملكة، مما يدعم الأهداف الرقمية طويلة المدى للمملكة العربية السعودية.
عاصفة مثالية من النمو
تعدّ الشراكة بين «نوكيا» و«ACES» جزءاً من موجة أكبر من الفرص في قطاع الاتصالات السعودي. وخلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، يصف ميكو لافانتي، نائب الرئيس الأول لشبكات الهواتف الجوالة في الشرق الأوسط وأفريقيا في «نوكيا» المشهد بـ«العاصفة المثالية من النمو»، مدفوعة بعوامل متعددة متقاربة.
أحد المحركات الرئيسية يتمثل في مبادرة «النطاق العريض اللاسلكي (WBB)»، وهو برنامج مدعوم من الحكومة يهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة في المناطق الريفية. تتماشى هذه المبادرة مع أهداف «رؤية 2030»؛ ما يضمن وصول حتى المناطق النائية إلى الإنترنت عالي السرعة.
تطور آخر مهم هو التخصيص الأخير لـ«طيف النطاق C» (3.5 غيغاهرتز) من قبل هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، إلى جانب تراخيص جديدة لـ600 ميغاهرتز وترددات النطاق المنخفض الأخرى. ويعد لافانتي أنه مع هذا التخصيص «ستكون السعودية على طريقها لتصبح رائدةً عالمياً في توافر الترددات».
المدن الذكية والذكاء الاصطناعي
بالإضافة إلى مكة المكرمة، تستثمر السعودية بشكل كبير في المدن الذكية مثل نيوم والقدية؛ بهدف الاستفادة من التقنيات المتقدمة؛ لإنشاء بيئات حضرية مستدامة وفعالة وملائمة للعيش. وتهدف «نوكيا» إلى الوقوف في طليعة هذا التحول، موفرة حلولاً مبتكرة تدعم مبادرات المدن الذكية.
أحد التطبيقات البارزة هو تقنية «الكاميرا ذات الزاوية 360 درجة» المصممة لإدارة التحكم في الحشود، والأمن، خصوصاً في أحداث مثل الحج، حيث تساعد المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على ضمان حركة سلسة للحشود وتعزيز الأمان. ويضيف لافانتي أنه يتم أيضاً دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الوقاية من الكوارث؛ حيث يمكن التنبؤ بالفيضانات، وإعادة توجيه حركة المرور؛ مما يقلل بشكل كبير من الاضطرابات.
خطوة نحو ابتكار الشبكات
تستكشف المملكة العربية السعودية أيضاً إمكانات تقنية «شبكة الوصول الراديوي المفتوحة (Open RAN أو O-RAN)». تتيح هذه التقنية لمشغلي الاتصالات مزج الأجهزة والبرمجيات من مزودين مختلفين، مما يزيد من المرونة ويقلل التكاليف بشكل محتمل.
وتعد «نوكيا» رائدةً عالمياً في نشر تقنية «Open RAN» بما في ذلك شراكتها مع «دويتشه تيليكوم» في ألمانيا. يقول لافانتي إن هناك تصوراً بأن يحقق «Open RAN» وفورات فورية في التكاليف، ولكن في الواقع، «فإنه يقدم أيضاً تعقيدات تشغيلية» بحسب رأيه. ويضيف: «بينما هناك فوائد طويلة الأجل، فإنه يتطلب تكاملاً واسعاً ودعماً مستمراً».
مستقبل «الجيل الخامس»
يحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً في إدارة الشبكات، من الصيانة التنبؤية إلى التحسين في الوقت الفعلي. خلال موسم الحج العام الماضي، نشرت «نوكيا» نظام «Monterey Autopilot» المدعوم بالذكاء الاصطناعي، الذي أجرى أكثر من 100 آلاف تعديل على الشبكة في 3 أيام لضمان اتصال دون انقطاع.
ويشرح لافانتي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه في أثناء الأحداث الكبرى مثل الحج، تواجه الشبكة ضغطاً هائلاً، مع ملايين الاتصالات المتزامنة. يقوم نظام الذكاء الاصطناعي بتحسين حركة المرور بشكل مستمر، مما يضمن اتصالاً سلساً وكفاءة في استهلاك الطاقة. تعمل برمجيات «نوكيا» المدعومة بالذكاء الاصطناعي أيضاً على تقليل استهلاك الطاقة من خلال إيقاف تشغيل مكونات الشبكة غير المستخدمة بشكل ديناميكي، مما يحسِّن الاستدامة بشكل كبير.
نظرة نحو المستقبل
بينما يستمر توسُّع شبكات «الجيل الخامس (5G)» بوتيرة سريعة، تعد المملكة العربية السعودية نفسها بالفعل لعصر شبكات «الجيل السادس (6G)». مع الأحداث العالمية الكبرى مثل «الألعاب الأولمبية الشتوية 2029»، و«إكسبو 2030»، و«كأس العالم 2034»، من المتوقع أن تكون المملكة من أوائل الدول التي تعتمد تقنيات الاتصال من الجيل التالي.
ويؤكد لافانتي أن المملكة العربية السعودية ستكون واحدةً من الدول الرائدة عالمياً في نشر شبكات «الجيل السادس». ويشيد بالأجندة الرقمية القوية للمملكة واستثماراتها في الذكاء الاصطناعي التي تضمن مكانتها في طليعة الابتكارات المستقبلية في الاتصالات. كما يشير إلى أن شبكات الجيل السادس ستكون مُصمَّمةً لتكون قادرةً على «الشعور والتفكير والتصرف»، مع ترددات أعلى بكثير وخلايا أصغر حجماً.
التزام طويل الأمد
تتجاوز استثمارات «نوكيا» في المملكة العربية السعودية مجرد توسيع الشبكات؛ فهي تشمل الخدمات اللوجيستية وقدرات الإصلاح والقيادة الإقليمية، من خلال مقر إقليمي في الرياض يغطي ليس فقط الشرق الأوسط ولكن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بأكملها (70 دولة). ويشير لافانتي إلى أن لـ«نوكيا» الآن «قدرة إصلاح كاملة داخل المملكة العربية السعودية»، مما يقلل الاعتماد على الخدمات اللوجيستية الخارجية ما يضمن تسليم الخدمات بشكل أسرع.
كما تعمل الشركة على مبادرات تصدير لجعل المملكة العربية السعودية مركزاً لـ«التحول الرقمي في أفريقيا». ويختتم لافانتي حديثه بالقول: «نعتقد أن السعودية ستلعب دوراً رئيسياً في تمويل ودعم توسيع الشبكات في أفريقيا، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والتقنية».